المعلق اسباعي يكتب : المنتخب منتخبنا جميعا ..وجميعنا حريصون على مصلحته



الهَبة التي تحدث بعد كل تعثر للمرابطون ، ليست أمرًا سلبيا بالمرة ، لأن الأمر يتجاوز كونه فريق كرة قدم فقط ، إلى هيبة وطن و طموح شعب ، لذا تجد المشجعين ينطلقون من عاطفتهم و غيرتهم على موريتانيا ، بعد كل خسارة معبرين عن حسرتهم و خيبتهم ، مطالبين بالتغيير ، و بإيجاد حل سحري يجسد تلك الأحلام الكبيرة و المشروعة ..


و هنا ليس من حق أحد أن يتوجه لهؤلاء باللوم ، و تسفيه آرائهم واعتبارها جهلا و كفرًا بأبجديات كرة القدم ، لأن الأمر في الأخير متروك لسيير اتحاد أثبت نجاعته في عديد المواقف ، وهو من سيتحرك من منطلق خططه و دراسته وتحليله للوضع ، لا من منطلق الأصوات المتعالية هنا و هناك ، و من هنا أيضًا وجب على الكل احترام رأي بعضه البعض ، مع العلم أن كل وجهة نظر تحتمل الخطأ و الصواب ..


و دعونا نتفق على نقطة جوهرية ، وهي أن الفرق شاسع بين النقد و الانتقاد ، فالنقد البناء يعالج الأخطاء و يبعث على الإصلاح ، أما الانتقاد فلا يسمن ولا يغني من “مشكلة” ، إنما يزيد الأمور تعقيدا و يعمي البصيرة ، و يضع صاحبه في تفاهة أن ينتقد من أجل أن ينتقد فقط ، و جدير بنا أن ننطلق من نقطة النقد البناء ، حتى نتمكن معا من تجاوز مشكلتنا هذه ، التي تعني الجميع و لا تختصر على جهة واحدة ، فالمنتخب هو واجهة هذا الشعب و البلد في عالم و كرة القدم ، و لا يوجد أحد على وجه المعمورة يرضى أن تكون واجهته سيئة ..


نحن ندرك أيضًا أن المنتخب الوطني هو أولوية الأولويات عند الاتحاد الوطني لكرة القدم ، دون إغفال الجوانب الأخرى التي ساهمت العناية بها ، في تحقيق هذه الطفرة التي تعيشها كرتنا اليوم ، و من أبرز الأمثلة على ذلك تأجيل الرئيس أحمد ولد يحيى لكل التزاماته عندما يتعلق الأمر بالمنتخب ، فتجده حاضرا في كل مران و تربص ، على أرضية الميدان يحفز اللاعبين و يمدهم بالدعم المطلوب . و من البديهيات أن الإخفاقات التي وقع فيها المنتخب في ظهوره الأخير غير سار للجميع ، و موقن أن الاتحاد بدأ بدراسة و تحليل مكمن الخلل ، فالظرفية تفرض ذلك ، و بتريث سيتخذ القرار المناسب في هذه الوضعية ، نحن واثقون من ذلك ، خاصة و أننا في مرحلة لا تتحمل المجازفة ، و نحن على أبواب بطولتين مهمتين ( كأس العرب – كأس أمم إفريقيا ) .


لقد بات جليا أن المنتخب الوطني يعاني من جملة أشياء ، بعد المستوى السيئ الذي ظهر به في التصفيات المونديالية ، و قد يكون من ضمنها نفاذ مخزون ما يمكن أن يقدمه المدرب للفريق ، فتشعر أحيانا أن المدرب لم يعد يستطيع مواكبة المرحلة التي يعيشها المرابطون ، و أن الرهان أكبر منه ، ثم تحتار في مرة أخرى من مستوى اللاعبين السيئ ، فتشعر هنا أن سوء اللاعبين لا يساعد في تطبيق أفكار المدرب ، و هذه الحال المتأرجحة بين الكفتين ، لن تصنع قطعًا الحل ولا حلم الشعبية الرياضية الموريتانية .!


في الواقع ما حدث في التصفيات المونديالية خلال المباراتين الماضيتين ، هو الضارة النافعة ، حيث سيساعدنا الأمر في معرفة إمكانياتنا و الوقوف على أخطائنا ، قبل البطولتين اللتين نعلق عليهما آمالًا كبيرة ، لذا نحن الآن أمام حتمية التحرك ، لإحداث التغيير و تصحيح الأخطاء ، فبالمستوى الذي شاهدناه حتى الآن سيكون ظهورنا كارثيا في الاستحقاقات المقبلة ، و راق لي قول أحدهم : إن ما أوصلنا إلى هنا هو القليل من النقد و الكثير من التبرير..!


لنتذكر أن البداية الاستثنائية التي دخلنا بها سجلات البطولات الافريقية الرسمية ، كانت مع عجوز فرنسي (باتريس نوفوه) قدم كرة جميلة و خطف تأشيرة التأهل البكر إلى كأس أمم إفريقيا للمحليين 2014 ، كانت وقتها موريتانيا تكتب سطر أول مشاركاتها على الإطلاق . و بعد مشاركة لم تكن سيئة ، كان حبل الصبر على العجوز الفرنسي قصيرا ، فأقيل بحثا عن الأفضل ، و في عام 2015 جاء مواطنه مارتينز ، و تمكن من صنع أشياء مذهلة مع المنتخب ، فقاده لأفضل إنجازاته الكروية بالتأهل لكأس أمم إفريقيا مرتين و الشان مرة ، وهذه الأرقام كانت أيضًا أفضل ما تضمنه المشوار التدريبي لهذا الرجل حتى هذه اللحظة ، وهو الآن في عامه السادس مع المنتخب الوطني و عقده يمتد حتى عام 2023 بعد التجديد الأخير , أي أنه قد يكمل ثماني سنوات على رأس الجهاز الفني للمرابطون ، وهي صراحة فترة طويلة و كافية لصنع الأفضل ، و مع ذلك كان المدرب في كل مرة يقع في خطأ سوء خياراته أحيانًا ، و سوء إدارته للمباراة أحايين أخرى ، مع العلم أنه يمتلك لاعبين بمستويات متفاوته ينشطون في أندية و دوريات عادية جدًا ، و إن كان ذلك لا يعطي تبريرا لهفوات المدرب الواضحة .

و مع ذلك يبقى الجانب المضيئ في قصة مارتنيز ، سجله مع المنتخب فبرغم كل ماسبق ليس سيئا ، بل يجعله أفضل مدرب في مشوار المرابطون .! 

لكن و برأي بعد هذه الفترة الطويلة لم يعد لديه ما يقدمه للمنتخب ، و أدرك أن الاتحاد قد يكون الآن محشورا بين مطرقة التخلي عنه و سندان خوف المجازفة و هدم كل ما بناه في الفترة الماضية ! وهنا يكون الحل التريث و تحليل الأمور بعقلانية ومنطقية كبيرة ..!


في الأخير أحلامنا جميعا مشروعة بامتلاك منتخب ذو هيبة ، منتخبا قويا يرفع رأس شعبه عاليا ، و لدينا أجيال من اللاعبين بإمكانها صنع ذلك الأمر ، مع مزيد من الصبر و السير بخطوات ثابتة ، تؤثثها الإرادة القوية و العمل المدروس و المبني على النظرة البعيدة ، دون أن ننسى أن الأمر يتطلب الكثير من الصرامة في القرارات و التضحية . ونحن نعرف من أين جئنا لكننا أيضًا نعرف إلى أين نريد أن نصل .


ثقتنا في اتحاد اللعبة كبيرة ، و لاشك أنه لن يبخل جهدا في إصلاح مكامن الخلل مهما تطلب ذلك .


المختار اسباعي -صحفي ومعلق رياضي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان